طوكر .. أنَشْكُو مَوْتنا ذُلاً لِوَالِينَا ؟



طوكر تلك المدينة التي ما عرِف أهلُها الفقر والعناء يوماً لدرجة أن مدينة الضباب ( لندن ) كانت تستفسر عن سعر قنطار القطن فتجيب لها طوكر ويسري سعرها . مدينة عُرفت بالتعايش بين نسيجها الاجتماعي ، مع كثافة وجود الجنسيات المختلفة من دول العالم الذين كانوا يعيشون بها لموقعها الاستراتيجي في التبادل التجاري وما تزال بعض معالمهم متواجدة . كما كانت تمثل أيضاً شريان الحياة لكل شرق السودان .
اليوم وبعد كل تلك الرفاهية ، يعيش مواطنوها ضنكاً في العيش ومعاناة تكاد تصبح منطقة أكبر من أن تنقذها دولة بحجم السودان أو إفريقيا القارة السمراء . البؤس أصبح شيء طبيعي في وسط مواطني المنطقة والجفاف يزداد يوماً بعد يوم إلا قليل إن وجد ذلك . معاناة تعجز الأقلام وتجف الأحبار إذا أرادت أن تعكس سوء ما يحدث بتلك الرقعة الجغرافية من عدم الاهتمام الموجه من حكومة الولاية المسنود بإرادة البعض بالمركز . فكلما طالب إنسانها بالتنمية تخرج إلينا الصحف المحلية بأنباء خبرية قد تكون في بعضها مدفوعة الثمن تتحدث عن طوكر الجديدة أو لنقل طوكر التي يريدها إيلا والي الولاية الذي منذ أن وطأت قدمه أرض البحر الأحمر والياً لم يكن له هم ومحور عمل سوى إستئصال الأمة الطوكراوية بإنسانها وحضارتها العريقة وأنعامها . مستمتعاً بسرادق العزاء اليومية إما بموت إنسان أو نفوق أنعام كليهما بسبب التدهور الصحي أو العطش أو غيرها من وسائل الموت البطيء التي يستخدمها منهجاً في إنهاء هذه الأمة بكل ما تمتلكه بحصار مُحكم ، ليجد متنفساً في ثروات باطن أرضها.
ما شهدته طوكر من فيضانات وسيول راح ضحيتها عدد من مواطني المنطقة ونفوق عدد كبير من الأنعام وإنقطاع أهلها عن ولاية البحر الأحمر لإنهيار الجسر الترابي الذي تعمدت حكومة الولاية على عدم الاهتمام به لإجبار سكانها للرحيل لطوكر التي إختارها إيلا موطناً جديداً لهم وهو لا يعلم أن المنطقة تمثل إرث حضاري ورثه أهلها جداً عن جد فقبولهم بالرحيل لمنطقة لا قديم لها في الإرث التاريخي هذا يعني قبول مواطني طوكر بقطع حبل التاريخ الممتد منذ آلاف السنين بمنطقتهم والشاعر الجميل محمد أحمد البقدادي يجيب في قصيدته التي تحمل عنوان (طوكر) :
هي قامة ، ما بنرضى تكون هزيلة
وما في زول يقدر يذلها أو يزيلا
ومن قلوبنا محال نشيلا
وما بنرضى بلد بديلة
نحن لو بعدت خطانا
برضو شيالين تقيلة
بالتماسك والتضامن
الحقوق لا بد نشيلا
كان حرياً بحكومة الولاية أن تنتهز فرصة الأمطار وتتصالح مع شعب المنطقة بالوقوف معهم ومساندتهم في كوارث الفيضانات التي حدثت بدلاً من الجلوس على مقعد المتفرج الذي يحسب أعداد الموتى والمفقودات ، ليهنئ ذاته بجمال ما يحدث لمن ظلو رافضين الخضوع لسياساته بعنفوان قوي أثبتته المنطقة في انتخابات تشريعي الولاية .
ألا تكفي المعاناة التي ورثتها المنطقة بسبب تلك الحروب التي أرقت المواطنين طوال تسعينيات القرن الماضي ، فبرغم أن المنطقة ضمن المناطق التي تضررت وتأثرت كثيراً جراء القتال الذي دار بين الحكومة والمعارضة فلا دور تجاه المنطقة من ما يُعرف بصندوق إعمار وتنمية الشرق فلا الإعمار رأته ولا التنمية وصلتها منه كيف لا وهو قد وُلِد كسيحاً منذ وضوعه على طاولة تلك الإتفاقية المسماة بإتفاقية أسمرا والتي كنا قد حكمنا على فشلها كشباب ننتمي رحماً ونشأة وامتداداً للشرق الحبيب ، وذلك لقراءتنا الجيدة حينها لبنود وتفاصيل الإتفاقية بل ومنذ أن بدأ التفاوض الذي لم يكن له ضامن دولي ليراقب الاتفاقية. فهل كنا سنصدق بأن الوسيط الإريتري هو من سيكون الضامن لحقوق الشرق . جميعنا كان ينتمي لأحزاب مختلفة وقد نكون أكثرنا ممن ينتمون للحزب الحاكم. ولأن الأمر يهمنا كنا حادبين على الاهتمام بقضايانا . للأسف أن الإتفاقية نحرت قضايا مواطن الشرق التي أصبحت كبش فداء لتحسين العلاقات الإريترية السودانية وفق رؤية المطبخ السياسي بالبلدين وحسب مصالح بعض المتنفذين . ما نتج عن هذه الإتفاقية مزيد من المعاناة ومزيد من الإستهداف ومزيد من الإحلال والإبدال بمكونات الشرق الإجتماعية . وقادة الشرق الذين جاءت بهم صُدف السياسة العرجاء بأسمائهم المختلفة سواء من مؤتمر البجا بأسمائه أو أحزاب المرحلة الانتخابية من أحزاب جبهة الشرق أو حتى من الأسود الحرة فجميعهم ما زالو في صمت مرير كأنهم يركلون ثوب إنتمائهم لهذا الشرق .
إلى المهتمين بالشأن الإنساني من المنظمات الوطنية أو الأممية نتمنى منهم الإلتفات لما يحدث بتلك المنطقة فإنسانها يرفض أن يصرخ عالياً لعنفوانه . يتحمل الآلآم يوماً بعد يوم ، ينتظر أن تطلق عليه رصاصة الخلاص والرحمة لتريحه من هذه المعاناة القديمة المتجددة فالتستجيبوا لهذا النداء فهو يأبى أن يزل نفسه لمن تولى أمره فلا حكومة ولايته تشعر بوجعه وتألمه ولا المركز يتألم بمعاناة الأطفال والنساء . إن كانت المنطقة مقربة لرحم من يديرون أمر البلاد والعباد لسارعت القوافل محملة بما سيفيض بعد الإكتفاء قبل إنطلاقة نجدة الإستغاثة من المتضررين والأمر ليس ببعيد .
آخر المطاف:
مواطنو طوكر لسان حالهم ينطق ما قاله شاعرنا الكبير أحمد مطر :
لمن نشكو مآسينا ؟
ومن يصغي لشكوانا ؟
أنشكو موتنا ذلاً لوالينا ؟
وهل سيحيينا ؟
قطيع نحن .. والجذار راعينا ...
ومنفيون .. نمشي في أراضينا ...                          
ونحمل نعشنا قسراً .. بأيدينا ...
ونُعرب عن تعازينا ...
لنا .. فينا !!
فوالينا .. أدام الله والينا ...
رءانا أمةً وسطاً ...
فما أبقى لنا دنيا ...
ولا أبقى لنا دينا ..
نلتقي إن كان في العمر بقية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعتصام كسلا .. الأسباب وموضوعية المطالب

طوكر .. عندما تقسو الولادة قبل ميقات الخروج