حرية عدل لا حرية هوى 1

يجمعها ويكتبها : عبدالهادي محمود كسلا

هي محاولة لطرق بعض المسامير والمفاهيم بمطرقة العقل والحكمة من أجل تثبيتها وتعميقها جيداً على حائط الوعي والفهم والحياة لجيل الحاضر الذي إفتقد الوعي الحقيقي نتاج السياسات الخاطئة والمناهج التعليمية الضعيفة خلال سنوات الإنقاذ الراهنة والمحاولة تتناول الحرية ومفاهيمها لنصل بعدها للعدل وقيمه والعلاقة بين المواطن والسلطة وتناول الحرية بين الصلاحيات والآلية فأبدأ تجميعي لمجموعة كتابات لعلماء وكُتاب نسجوا بأقلامهم قمة الوعي والطرح المنمي والمحرك للعقل الإنساني أجتهد إلتقاطها وتلخيصها وطرحها على شكل مبسط يسهم في نماء وعي جيل الحاضر والذي أجد نفسي منه .
وأبدأ طرحي بالحرية فهي على إطلاقة تعني التجرد من كل ما يقيد ... يقيد القول ، أو الفعل ، السلوك ، أو التصرف ، من كل ما يوجب أو يرتب شيئاً على الإنسان ، من كل مسؤولية تجاه الذات أو تجاه الآخرين .
والواقع الإنساني ليس مجرداً من كل هذا ، بل فيه شيء من كل هذا ، كثر هذا الشيء أو قل . وهذا الشيء مهما كثر ، أو مهما قل هو مقيد للحرية ، بقدر ما ، أي بقدر كثرته أو قلته .
وبذلك تكون الحرية على إطلاقها كلمة لا مصداق لها في دنيا الناس ، لأن الإنسان (الفرد) المتحرر من كل ما يقيد حريته ( قليلاً أو كثيراً ) لا يستطيع أن يعيش في جماعة ، أو لا يسمح له بأن يعيش في جماعة ، أي أنه بتجرده من كل ما يقيد حريته يفقد اجتماعيته يفقد وجوده الطبيعي الاعتيادي (أن يعيش في جماعة) ، هذا الوجود المكتسب طبيعته من وجود الآخر . الوجود الاجتماعي الضروري للأنا الفرد . وهذا الوجود الاجتماعي (وجود الآخر) هو الذي يقيد الحرية ويلقى عليها تبعات فعلها وسلوكها ، داخل الجماعة الإنسانية .
فالإنسان " كائن اجتماعي لا يستطيع العيش منفرداً ، والأفكار القائلة بالفردانية تبقى مجرد أفكار فلسفية لا تجد تطبيقات عملية لها إذ أن التجارب الاجتماعية أثبتت دوام إنتماء الإنسان إلى جماعة فالفرد والمجتمع مفهومان لا ينفصلان ، وحياة الفرد لا تستوي _ طبيعياً واجتماعياً وسياسياً _ إلا ضمن مجتمع ينتمي إليه بالولاء أو بالإختيار.
إذاً نقطة الإنطلاقة لمشكلة الحرية تكمن هنا ، وهي تظهر بمجرد الإقرار بأنه لا يمكن تصور إلا ككائن اجتماعي ، لأنه لا يمكن طرح مشكلة الحرية في فرضية الإنسان المنعزل _ إلا من وجهة نظر ميتافيزقية _ بينما هي تطرح وبإلحاح عند الكلام عن الإنسان ككائن اجتماعي ، وذلك في مجال علاقاته مع الآخرين من ناحية ، وفي مجال علاقاته مع مجمل الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه من ناحية أخرى .
وكون الإنسان جزء من جماعة يعني خضوعه لبعض القيود و الواجبات ، إذ لا بد لكل مجتمع أياً كان نوه ، وأياً كانت درجة تطوره ( أسرة ... قبيلة ... عشيرة ... دولة) من نظام يحكمه ، ومن سلطة تتولى قيادته . وبالتالي فإن التناقض الأساسي الذي واجه ويواجه الإنسان هو أن يكون في آن معاً فرداً مميزاً له حريته الخاصة به وكائناً اجتماعياً للجماعة سلطة عليه .
وبما أن الأمر على هذا النحو ، وما دام كل منا يقيد حرية الآخر ، والآخر يقيد حريته ، فنحن جميعاً إذا شركاء في هذا القيد المفروض على الحرية ، ونحن جميعاً أيضاً مجبرون على تقبل هذا القيد بل والشراكة فيه ، بحكم وجودنا ذاته ، وما يفرضه منطق هذا الوجود لأن " الإنسان الفرد يحس بوجوده ، ويعي هذا الوجود ، ويعبر عنه ، ويحس بوجود الآخرين ، ويعي هذا الوجود ، ويعبر عنه ، وهذه العدالة الطبيعية في الوجود والوعي به ، والتعبير عنه تتضمن من بين ما تتضمن عدالة طبيعية أيضاً في الإحساس بمقومات هذا الوجود : كالإحساس بالحاجة والإحساس بالحرية والإحساس بالسعادة ... الخ" .
وما دام الأمر كذلك ، فإن لكل واحد منا الحق في أن يطالب بأن تكون حصته في تقييد الآخرين مثل حصة أي منهم في تقييده هو . أي أن لكل واحد منا أن يطالب ، وله الحق في ذلك ، بحكم التساوى في الوجود ، وبالتالي التساوي في الشراكة في الحرية ، وفيما يجب أن يقيدها بأن يتحقق العدل بين الجميع في هذا الشأن ، لتتحقق الحرية للجميع بنفس القدر .
بمعنى أن تدخل الحرية دائرة العدل ، ليرسم لها العدل حدود القول والفعل والتصرف والسلوك ، لتتحقق الشراكة بين الناس في الحرية ، وفي المساواة بينهم في ممارسة الفعل العادل الحر وليمنحها العدل بذلك بعدها الموضوعي الاجتماعي الذي يهيء للإنسجام والتوافق بين الناس ، وليبرر لها وسائل وأدوات وأساليب تحققها في الواقع ، ويبعدها عن الغلو والشطط والتطرف والطغيان .
حتى إذا ما كانت الحرية قيمة يعتز بها الإنسان ، ويسمو بها فإن العدل هو الذي يضفي عليها قدرها .. هو الذي يُعلي شأنها ، أو يفضح ممارستها هو الذي يوقف ظلمها ، ويمنعها من أن تتحول إلى إعتداء على الآخر .. من أن تتحول من قيمة إنسانية تهدف إلى الرفع من كرامة الإنسان إلى وسيلة للإنسان لظلم أخيه الإنسان لأنها إذا ما أطلق لها العنان " قد تخلق جواً يكون فيه الأفراد في حال تصادم لا حدود له مع بعضهم البعض ، مما قد يؤدي إلى فوضى اجتماعية لا يستطيع معها الفرد أن يلبي الحد الأدنى من حاجاته . ويبدأ القوي بما يملك من حرية بقمع وإضطهاد حرية الضعيف وإستغلاليته".
فإذا كان العدل هو الذي يقيد الحرية كان ذلك دليلاً على موضوعية الحرية ، وبعدها عن التحيز إلى جهة دون أخرى ، أو طرف دون آخر . وإذا كان الظلم هو الذي يقيد الحرية كان العدل (رفع الظلم) أيضاً هو العامل على تحققها وحيادها في الواقع .
وهي بذلك تصبح حرية نسبية ، خاضعة للمسئولية .. مسؤولية الفعل أو القول ، وما يترتب عنه ، وخاضعة أيضاً للواجب الإنساني .. الواجب نحو الذات ، ونحو الآخر ، وخاضعة للحق الإنساني .. حق الذات وحق الآخر .
هذه هي الحرية الحقيقية الموضوعية التي يجب أن نبحث عنها ونبحث فيها ، وندرسها ونطالب بتحققها في الواقع الإنساني ، الحرية الخاضعة للعدل ، لا تلك الخاضعة لهوى السلطة ، أو لهوى الناس .
نواصل التجميع والكتابة
آخر المطاف:
يارفاقي
لم نعد تبغاً يدخن في دهاليز السياسة
لم نعد محض عباءة
يرتديها أخنث قوم ليوارى ماوراءه
إنما نحن إرادة
نحن للارض ومن الارض وبالأرض ننادي
نحن للعامل شمساً
نحن للزارع عرسا
ولجرح الشعب في الساحة قوساً
وعلى الكف للثوري زنادا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اعتصام كسلا .. الأسباب وموضوعية المطالب

طوكر .. عندما تقسو الولادة قبل ميقات الخروج